أخباردولي وعربي
وزير الأوقاف : يجب تفعيل القانون الدولي في محاسبة الدول الراعية للإرهاب وسن القوانين الرادعة لها
كلمة د / محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في القمة العالمية الأولى لمكافحة الإرهاب بفيينا.
وفيها دعا إلى تفعيل القانون الدولي في محاسبة الدول الراعية للإرهاب وسن القوانين الرادعة لها .
وفيها يؤكد :
الحفاظ على كيان الدول واستقرارها أحد أهم عوامل القضاء على الإرهاب .
و إضعاف الدول و محاولات إسقاطها هو بمثابة توفير حواضن خطيرة للإرهاب .
فالدول التي تسقط في الفوضى هي بيئة حاضنة ومصدرة للإرهاب .
و الفكر المتطرف لا يدحض بالسلاح وحده بل بالفكر والثقافة جنبا إلى جنب .
ويعد الوعي والثقافة والخطاب الديني الرشيد و الرعاية الاجتماعية من أهم عوامل القضاء على الإرهاب والفكر المتطرف .
ويعد بناء الوعي والخطاب الديني الرشيد و الاهتمام بالتنمية والمناطق والأسر الأولى بالرعاية من أهم عوامل نجاح التجربة المصرية في الإرهاب والجماعات الإرهابية والمتطرفة .
في بداية كلمته أمام القمة العالمية لمكافحة الإرهاب بفيينا أكد د / محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن الحفاظ على كيان الدول واستقرارها أحد أهم عوامل القضاء على الإرهاب ، و أن إضعاف الدول و محاولات إسقاطها هو بمثابة توفير حواضن خطيرة للإرهاب .
فالدول التي تسقط في الفوضى هي بيئة حاضنة ومصدرة للإرهاب ، و أن الفكر المتطرف لا يدحض بالسلاح وحده بل بالفكر والثقافة جنبا إلى جنب ، مؤكدا أن الوعي والثقافة والفكر المستنير والخطاب الديني الرشيد و الرعاية الاجتماعية من أهم عوامل القضاء على الإرهاب والفكر المتطرف ، وأن بناء الوعي والخطاب الديني الرشيد و الاهتمام بالتنمية والمناطق والأسر الأولى بالرعاية من أهم عوامل نجاح التجربة المصرية في الإرهاب والجماعات الإرهابية والمتطرفة .
وبيّن أن جانبًا كبيرًا من العنف الذي نشهده على الساحة الدولية إنما يرجع إلى فقدان أو ضعف الحس الإنساني، واختلال منظومة القيم أو التفسير الخاطئ لبعض النصوص الدينية ، مما يجعلنا في حاجة ملحة إلى التأكيد على الاهتمام بمنظومة القيم الإنسانية، والتنوع الثقافي والحضاري ، والانطلاق من خلال المشترك الإنساني بين البشر جميعًا.
فقد كرم الحق سبحانه وتعالى الإنسان على إطلاق إنسانيته دون تفرقة بين بني البشر ، فقال (عز وجل) : ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ ” ، فالإنسان بنيان الرب من هدمه هدم بنيانه (عز وجل).
كما أجمعت الشرائع السماوية على جملة كبيرة من القيم والمبادئ الإنسانية ، من أهمها: حفظ النفس البشرية قال تعالى : “أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً”.
ومن القيم التي أجمعت عليها الشرائع السماوية كلها: العدل، والتسامح، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة ، والصدق في الأقوال والأفعال ، وبر الوالدين ، وحرمة مال اليتيم ، ومراعاة حق الجوار ، والكلمة الطيبة، وذلك لأن مصدر التشريع السماوي واحد ، ولهذا قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “الأنبياء إخوة لعلَّات أُممهم شتى ودينهم واحد”.
فقد تختلف الشرائع في العبادات وطريقة أدائها وفق طبيعة الزمان والمكان، لكن الأخلاق والقيم الإنسانية التي تكون أساسًا للتعايش لم تختلف في أي شريعة من الشرائع، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت” .
وأروني أي شريعة من الشرائع أباحت قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، أو أباحت عقوق الوالدين ، أو أكل السحت، أو أكل مال اليتيم ، أو أكل حق العامل أو الأجير؟.
وأروني أي شريعة أباحت الكذب ، أو الغدر، أو الخيانة، أو خُلف العهد، أو مقابلة الحسنة بالسيئة؟.
بل على العكس فإن جميع الشرائع السماوية قد اتفقت وأجمعت على هذه القيم الإنسانية السامية، من خرج عليها فإنه لم يخرج على مقتضى الأديان فحسب ، وإنما يخرج على مقتضى الإنسانية وينسلخ من آدميته ومن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
وهنا نؤكد على عدة نقاط :
أولها : إعلاء لغة الحوار والتفاهم .
ثانيها : ترسيخ مفهوم ومشروعية الدولة الوطنية .
ثالثها : تصحيح المفاهيم الخاطئة .
رابعها : تعظيم المشترك الإنساني .
أما فيما يتصل بالحوار فنؤكد على الأمور التالية :
1. الحوار البناء هو الذي يقوم على التفاهم والتلاقي على مساحات مشتركة وأهداف إنسانية عامة ، لا تمييز فيها على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو القبلية.
2. ضرورة العمل على تعزيز الحوار الديني والثقافي والحضاري على جميع المستويات الوطنية والدولية .
3. التأكيد على أن الحوار بين الأفراد، يعادله التفاهم بين المؤسسات ، والتفاوض بين الدول ، وتحقيق ذلك على أرض الواقع يدعم السلام المجتمعي والعالمي.
4. التأكيد على الرفض المطلق للتطرف والإرهاب وللكراهية والتعصب ورفض التوظيف السياسي لأي من ذلك كأداة لتفتيت الدول وهدمها ، أو لحصد الأصوات وكسب الانتخابات، والتأكيد على رفض ربط التطرف والإرهاب بأي دين ، ورفض الزج بالأديان والمقدسات في ساحات الصراعات الانتخابية والسياسية، والتحذير من أن مخاطر الإساءة للمقدسات والرموز الدينية هي تهديد للأمن والسلم الدوليين، ولا ينجم عنها سوى المزيد من العنف والتطرف وتأجيج المشاعر وخلق العداوات.
5. التأكيد على أن الهدف من الحوار بين الثقافات ليس محاولة تغيير ثقافة أو هيمنة ثقافة على باقي الثقافات ، ولكن أن نصبح أكثر فهمًا ومعرفة واحترامًا لثقافاتنا المتنوعة .
6. إن احترام المقدسات والرموز الدينية يسهم بقوة في صنع السلام العالمي ويدعم حوار الأديان والحضارات والثقافات، أما النيل من مقدسات الآخرين ورموزهم الدينية فلا يُذكي إلا مشاعر الكراهية والعنف، والتطرف والإرهاب.
7. تأصيل قيم الحوار والتسامح انطلاقًا من المشتركات الإنسانية والدينية، مع احترام الخصوصية الثقافية والدينية للآخرين، وكذلك احترام عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم المستقرة.
8. قيام المؤسسات التشريعية بإصدار قانون لتجريم ازدراء الأديان والإساءة للمقدسات الدينية ورموزها، وإدراج ذلك في الدساتير الوطنية والمواثيق الدولية.
9. التأكيد على أهمية دور البرلمانيين كممثلين للشعوب في تعزيز الحوار بين الثقافات، وفي إصدار تشريعات تجرم التحريض على التطرف والإرهاب والتحريض على الكراهية والتعصب، وإصدار قوانين تجرم الإساءة للأديان والرموز والمقدسات الدينية كجريمة تدخل في خانة التمييز العنصري والديني، والمحظورة بموجب المادة (20) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على: “تُحْظَرُ بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف”.
وفيما يتصل بمفهوم الدولة الوطنية فإنني أؤكد على دور البرلمانات التشريعي والرقابي في ترسيخ دولة المواطنة التي لا تميز بين المواطنين على أساس الدين أو العرق أو اللون، وتؤمن بالتنوع وتحترم التعددية وتعدها ثراءً للمجتمع .
وأؤكد أن مشروعية الدولة الوطنية أمر غير قابل للجدل أو التشكيك, بل هو أصل راسخ, بل إن كل ما يدعم بناء الدولة وقوتها هو من صميم اعتقادنا الإيماني ، وكل ما يؤدي إلى الفساد أو الإفساد أو التخريب أو زعزعة الانتماء الوطني إنما يتعارض مع كل القيم الدينية والوطنية .
وبما أن الجماعات الإرهابية والمتطرفة تحاول أن تتخذ من التشكيك في هوية الدولة الوطنية وسيلة لإسقاطها ومحاولة لزعزعة الانتماء الوطني بين أبنائها ، كان لزامًا علينا أن نؤكد على مشروعية الدولة الوطنية ، والدولة الوطنية التي ننشدها هي التي تؤمن بالتنوع والتعددية وتسهم في صنع السلام العالمي ، ومن ثمة لزم تصحيح المفاهيم الخاطئة ، ولا سيما تلك التفسيرات المنحرفة لبعض النصوص الدينية من قبل بعض الجماعات الإرهابية والمتطرفة ، ولا سيما في نظرتها إلى مفهوم الدولة ومفهوم المواطنة ، مما يتطلب الآتي :
1. ضرورة احترام القانون والدستور والنظام العام للدولة ومؤسساتها ، وسائر المواثيق والعهود والمعاهدات والاتفاقيات الدولية .
2. احترام عقد المواطنة بين المواطن والدولة سواء أكان المسلم في دولة ذات أغلبية مسلمة أم في دولة ذات أغلبية غير مسلمة.
3. أن فقه المواطنة لا ينحصر في محور العلاقة بين أصحاب الديانات المختلفة ، وإن كان العمل على ترسيخ أسس العيش المشترك بين أصحاب الديانات المختلفة أحد أهم مرتكزاتها .
4. أن مفهوم المواطنة يتسع لتحقيق جميع جوانب العدالة الشاملة بين المواطنين جميعًا، بعدم التفرقة بينهم على أساس الدين , أو اللون , أو الجنس ، أو العرق ، أو المذهب ، وضرورة إعطاء المرأة حقها كاملاً غير منقوص ، فهي تعني الإيمان بالتعددية الوطنية في مختلف جوانبها , وتؤمن بالتنوع وتعده ثراء وطنيا .
5. ضرورة العناية بكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة ، وإعلاء قيم التكافل المادي والمعنوي بين أبناء الوطن جميعًا ، وهو ما يحققه الفهم المستنير ، والتطبيق الصحيح لفقه الواجب الكفائي .
6. ترسيخ مبدأ الحق والواجب بين المواطنين والدولة وبين بعضهم وبعض ، فكما يحرص المواطن على أخذ حقه يحرص على أداء ما عليه من واجبات تجاه الدولة وتجاه غيره من الأفراد ، مع قيام الدولة بالعمل على توفير حياة كريمة وإنسانية لمواطنيها .
7. ترسيخ العلاقات الدولية على الاحترام المتبادل بين الدول والشعوب ، وتعظيم المنافع المشتركة ، والعمل على أرضية إنسانية خالصة لصالح الإنسان وتعزيز الأمن والسلم الدوليين ، وقد حددنا موضوع: “عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي”، ليكون موضوع مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الثاني والثلاثين .
وفي الختام أؤكد أنه لا بد من العمل بقوة على تصحيح المفاهيم الخاطئة ، وبيان سماحة الأديان ، وتفنيد ضلالات الإرهابيين ، فلا قتل على المعتقد ، ولا إكراه في الدين ولا على الدين ، بل هي حرية المعتقد ، وحرية إقامة الشعائر وحماية دور العبادة للجميع ، وبيان أن الأديان رحمة وتسامح ، لا قتل ولا إفساد ولا تخريب ، وأن الإرهاب لا دين له ، ولا وطن له ، ولا وفاء له ، وأنه يأكل حتى من يدعمه أو يصنعه أو يحتضنه أو يأويه ، مما يتطلب تضافر الجهود الدولية ثقافية وتشريعية وأمنية وبرلمانية، لتخليص العالم كله من شرور الإرهاب وآثامه في وقت أصبح الإرهاب فيه عابرًا للحدود والقارات ولا عصمة لأحد منه إلا بتضافر الجهود للقضاء عليه .