مناطق اقتصادية خاصة في السعودية لتعزيز الاستثمار الأجنبي
وسط التحديات التي تفرضها جائحة كورونا، بدأت السعودية الإسراع في خطوات التحول الاقتصادي لجذب الاستثمارات الأجنبية، وذلك لدعم عمليات التعافي في عصر ما بعد الجائحة، عبر إطلاق مناطق اقتصادية خاصة تقود اقتصاد المملكة إلى واقع أفضل.
وكشف وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، عن أن بلاده تعتزم إطلاق مناطق اقتصادية خاصة في 2021.
وقال الفالح أثناء فعاليات قمة “مجموعة العشرين” التي ترأستها الرياض، إن الاستثمارات الأجنبية تبحث دائماً عن مميزات ومناطق خاصة تحوي مزيداً من الحوافز، ولذلك أصدرت المملكة إجراءات عدّة لهيئة المدن الاقتصادية والمناطق الخاصة هذا العام.
وتابع، “بدأنا في إعداد مناطق اقتصادية خاصة، بعضها اقتصادية وأخرى لوجستية وصناعية، وبعضها يهتم بالسياحة والثقافة، وأخرى للقطاع التقني والرقمي، وكل واحدة منها تقدم كثيراً من الحوافز والتسهيلات القانونية للمستثمرين، سواء الأجانب أو السعوديين”.
في هذا الصدد، أوضح محللون ومتخصصون أن المملكة تركز على تحقيق القيمة المضافة من المناطق الاقتصادية للحصول على حصة كبيرة من الاستثمارات الأجنبية الوافدة إلى منطقة الشرق الأوسط، ضمن خطط لتحقيق التكامل بعيداً من الاعتماد عن النفط كمصدر أساسي للدخل.
التكامل الاقتصادي
في المقابل، يقول الاقتصادي السعودي في إدارة الأصول المالية عبدالله بن أحمد آل محسن، “جاء إعلان وزير الاستثمار عزم المملكة على إطلاق مناطق اقتصادية عدة خلال العام 2021 وكأنه إجابة على بعض الاستفسارات الخاصة بتنظيم المنظومة الاقتصادية وتطويرها بشكل عام، والقطاع المالي بخاصة، ويصب أيضاً في سياق تأكيد وترسيخ دور المملكة الاقتصادي وتعاظم تأثيره على المستوى العالمي، وإكمالاً لمنظومة التكامل الاقتصادي وفق رؤية 2030”.
وأشار آل محسن إلى أن إنشاء المناطق الخاصة يأتي من مبدأ تنوّع مصادر الاقتصاد واستدامتها في المملكة، إذ تُشكل المدن الاقتصادية فرصة استثمارية استثنائية لكل من المستثمرين الوطنيين والدوليين، والمدن والمناطق الاقتصادية توفر منظومة مستدامة وجاذبة للاستثمار، وقادرة على المنافسة عالمياً من خلال توفير البيئة المناسبة، وتقديم خدمات متكاملة بكفاءة عالية.
خطط التحول
من جهته، أوضح المتخصص في الشؤون الاقتصادية عبدالله باعشن، أن إطلاق المناطق الاقتصادية الخاصة أحد أهم خطط المملكة للتحول من الاقتصاد الريعي الذي يركز على النفط كمورد أساسي للعملة الصعبة إلى مصادر أخرى تركز على قطاعات حديثة على واقع الاقتصاد السعودي.
وأكد باعشن أن نظرة المملكة للاستثمار في المناطق الجديدة تتلاءم مع التحول الاقتصادي ورؤية 2030، وتنويع مصادر الدخل المطلوبة لتحقيق الاستقرار المطلوب.
وأشار إلى أن المملكة شأنها شأن دول العالم، تسعى إلى اجتذاب أكبر قدر من الاستثمارات الأجنبية لتحقيق أكبر قيمة مضافة للاقتصاد، وانعكاس ذلك على تحقيق التكامل والتنمية المستدامة، وإتاحة فرص العمل للشباب.
ولفت باعشن إلى أن هناك تنافساً كبيراً عبر تقديم التسهيلات اللازمة لتملك الأجانب المشاريع، وتطوير البنية التحتية وسرعة التقاضي، وهي أمور قطعت المملكة فيها شوطاً كبيراً.
خطوة ضرورية
وفي تعليقه، أكد الاقتصادي علي الحازمي أن إطلاق مناطق اقتصادية خاصة يعتبر خطوة ضرورية، لأن هناك بعض الاستثمارات الخارجية تبحث عن مثل هذه المناطق، سواء مناطق صناعية، أو اقتصادية، أو مناطق خدماتية لوجستية، مؤكداً ضرورة تهيئة البيئة التشريعية، وقد عملت عليها المملكة سابقاً في ما يخص نظام الإفلاس، والمحاكم التجارية.
وأوضح أنه بالرجوع إلى وثيقة رؤية السعودية 2030، نجد أن واحدة من المبادرات الرئيسة التي تهدف إليها هي جذب استثمارات خارجية تكون مساهمة في الناتج القومي الإجمالي، وأن تُرفع الاستثمارات الخارجية، أو جذب رؤوس الأموال الخارجية من 3.8 في المئة إلى أن تصل تقريباً إلى مستويات 6 في المئة، ولن تتحقق هذه الأرقام إلا بوجود تسهيلات، وخلق بيئة اقتصادية جاذبة من حيث بناء مناطق اقتصادية، وتهيئة المناطق اللوجستية أيضاً.
وتوقع الحازمي زيادة حركة الاستثمارات الأجنبية خلال العام المقبل لتشهد أرقاماً مغايرة عمّا هي عليه الآن، بخاصة بعد أن عطلت جائحة كورونا كثيراً من المستهدفات، ليس للمملكة فقط، وإنما على مستوى العالم.
فكرة قديمة حديثة
في سياق متصل، قال الاقتصادي عبدالله الجبالي إن فكرة المناطق الاقتصادية قديمة حديثة، أطلقت في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، إذ كانت هناك نية لإطلاق 11 مدينة اقتصادية في المملكة، لكن منذ العام 2004 لم يظهر منها سوى مدينتين أو ثلاثة، وهي “سدير” و”جازان” وأيضاً مدينة إعمار الاقتصادية، أما بقية المدن فلم يواكبها النجاح، ولم يحالفها الحظ في الظهور بمظهر لائق.
وتابع الجبالي، “جدّدت اليوم هذه الفكرة مع انطلاق قمة العشرين الحالية، والحقيقة أن السعودية بمساحتها الشاسعة مهيأة لاستضافة العديد من المناطق والمدن الاقتصادية، نظراً لتنوعها الجغرافي والسكاني والاقتصادي.
وأضاف، “فكرة إطلاق مدن اقتصادية جديدة تبقى منطقية وواقعية، ولكن تبقى فقط دراسة الجدوى الصحيحة، ودرس التشريعات المناسبة التي تساعد أو تحفز المستثمر الأجنبي في الدخول إلى السوق السعودية والاستثمار فيها، لأنه لا تزال هناك ثغرات في القوانين، وعمل لا بد من أن يكون جارياً على قدم وساق من الناحية القانونية منذ العام 2009”.
أساسي للتحرر الاقتصادي
من جهة ثانية، قال الاقتصادي علي الحمودي، إن الحكومة السعودية ملتزمة بزيادة مشاركة القطاع الخاص في النمو الاقتصادي، وأن إطلاق مناطق اقتصادية خاصة في 2021 والخصخصة عنصران أساسيان في التحرر الاقتصادي، إذ يجري فتح مجموعة كبيرة من القطاعات أمام كل من القطاع الخاص، والاتصالات السلكية واللاسلكية والكهرباء وشركات الطيران، والخدمات البريدية والسكك الحديدية والمدن الصناعية وخدمات الموانئ ومرافق المياه وبعض المناطق المحتملة للاستثمار.
وتابع، “بما أن المملكة هي أكبر اقتصاد في الخليج فيتوقع أن يكون جذب الاستثمارات ليس فقط محلياً وإقليمياً، ولكن من الأسواق العالمية”.
قوة الاقتصاد
وأوضح رئيس قسم أبحاث ودراسة الأسواق بشركة “أوربكس”، أحمد نجم، أن الاستثمار الأجنبي بالمملكة زاد بنسبة 12 في المئة على أساس سنوي خلال النصف الأول من العام 2020، على الرغم من معاناة الاقتصادات العالمية جراء وباء كورونا المستجد خلال هذا الفترة، مما يعكس قوة الاقتصاد السعودي وقدرته على توفير فرص استثمار جاذبة أمام المستثمرين الأجانب.
وأشار إلى أن المناطق الاقتصادية سيكون لها تأثير في النمو القوي للاستثمارات الأجنبية، والتي ستفضل الاستثمار بأكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وضمن أكبر 20 اقتصاداً عالمياً.
ونوّه نجم بأن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة سجل نمواً بنسبة 1.2 خلال الربع الثالث من 2020 على أساس ربعي، على الرغم من تراجع أسعار النفط بشكل كبير في الفترة السابقة، إلا أن المملكة تظهر تعافياً بشكل جيد في أرقامها الاقتصادية لتعود إلى المتوسط الذي كانت عليه ما قبل الجائحة.
وأضاف أن المناطق الاقتصادية الخاصة ضمن خطط التنوع لرؤية 2030 والتي تشمل أيضاً هيكلة سوق العمل وما تبعها من خطوات، آخرها إلغاء نظام الكفيل الذي يدعم أيضاً قطاع السياحة الترفيهية وهو القطاع الذي لم يكن في أولوية المملكة سابقاً، وكانت تعتمد بشكل مباشر على السياحة الدينية، مشيراً إلى أن هذا الانفتاح سيدعم اقتصاد المملكة لما يوفره من مصادر دخل متنوع وتوفير فرص عمل جديدة، إذ لم تكن المملكة ببعيدة عمّا عاناه الاقتصاد العالمي من جائحة كورونا، وتراجع النمو العالمي عامة.
مناطق جديدة
من جهته، قال رئيس مركز المؤشر للاستشارات المالية علي الجعفري، إن المملكة لديها الآن مناطق اقتصادية قائمة، وثمة مناطق جديدة باستثمارات ضخمة مثل مشروع “نيوم” الذي يركز على منتجات متخصصة بمجالات التكنولوجيا لتضاهي وداي السيليكون في الولايات المتحدة.
وأضاف الجعفري أن السعودية في المرحلة الحالية تلجأ أيضاً إلى فتح الاستثمار في مجال المعادن والمنتجات المتخصصة التي تحتاج إلى مرحلة إضافية في التكرير، وهي مراحل تحتاج إلى استثمارات كبيرة جداً تضيف كثيراً إلى الاقتصاد المحلي.
وأوضح أن حجم الاستثمار في المنتجات الجديدة يصعب تحديد كلفته، ولكن الاتجاه العام إلى الاستفادة من جميع الموارد الطبيعية بالمملكة لتحقيق أعلى عائد، إلى جانب الاستثمار في المنتجات الثانوية من النفط والمنتجات البتروكيماوية خلال الفترة القادمة، لتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد.
تجاوز المصاعب
في المقابل، قال المستشار الاقتصادي في إدارة استراتيجيات الأعمال أحمد الشهري، إن المناطق الخاصة أحد أدوات المملكة لتجاوز زمن المصاعب الاقتصادية على المستويين العالمي والإقليمي. مضيفاً، “ما يميز القادة الحكوميين الجدد في السعودية أن المنهجيات قد تتغير من دون أن تتغير الأهداف الاقتصادية”.
وأضاف الشهري أن استثمارات المناطق الاقتصادية تتطلب كثافة مالية عالية أو التحول نحو مشاريع تتسم بحجم استثمارات أقل، ولكن ذات تأثير اقتصادي أوسع على مستوى التوظيف وجلب النقد الأجنبي من خارج البلاد، وزيادة معدل نمو القطاعات الاقتصادية المختلفة، لا سيما في الخدمات اللوجستية والذكاء الاصطناعي وتقنية المعلومات.
“نيوم” مشروع اقتصادي عالمي
لا يمكن الحديث عن المناطق الاقتصادية الخاصة من دون التطرق إلى مشروع “نيوم”، وهو مشروع سعودي لمدينة مخطط لبنائها عابرة للحدود، أطلقه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، ويهدف ضمن إطار التطلعات الطموحة لرؤية 2030 إلى تحويل السعودية إلى نموذج عالمي رائد في مختلف جوانب الحياة، من خلال التركيز على استجلاب سلاسل القيمة في الصناعات والتقنية داخل المشروع.
وسيتم الانتهاء من المرحلة الأولى لـ “نيوم” بحلول العام 2025، ودُعم المشروع من صندوق الاستثمارات العامة السعودي بقيمة 500 مليار دولار، بخلاف دعم كبير من المستثمرين المحليين والعالميين.
وتتولى شركة “نيوم” التي تأسست في يناير (كانون الثاني) الماضي عمليات تطوير منطقة نيوم والإشراف عليها، وهي شركة مساهمة مقفلة برأسمال مدفوع بالكامل، وتعود ملكيتها إلى صندوق الاستثمارات العامة.
وستعمد الشركة إلى إنشاء مدن جديدة وبنية تحتية كاملة للمنطقة، تشمل ميناء وشبكة مطارات ومناطق صناعية ومراكز للإبداع لدعم الفنون، وأخرى للابتكار تدعم قطاع الأعمال، إضافة إلى تطوير القطاعات الاقتصادية المستهدفة.