منوعات

جمال حمدان يكتب؛ الثلاثين من يونيو والهوية المصرية

بقلم _ جمال حمدان المحاضر القانون والإداري والخبير الدستوري
إنه صباح الثلاثين من يونيو ….
وفي مثل هذا اليوم انتفض المصريون في أكبر وأعظم ثورة في التاريخ الحديث ، خرج فيها أكثر من ثلاثة وثلاثين مليوناً إلى الشوارع سلميين ، لا يحرقون ولا يقتلون ولا يقتحمون المؤسسات ولا يخربونها ، خرجوا وهم لا يحملون سلاحاً سوى سلاح الإيمان بالله ومن بعده سلاح الخوف على بلدهم من الضياع ، وعلى دينهم وعقيدتهم من التحريف والتزييف ، وهذا السلاح الأخير هو الذي يمنح المصريين قوة القلب وصلابة العزم .
ولم يكن الثلاثين من يونيو مجرد ثورة عظيمة هائلة ، بل كان صدمةً عنيفةً لكل من خطَّط لابتلاع هذا الوطن ولتقسيمه ولتقزيمه ، وكانت استفاقةً لعملاق ظنَّه الغافلون قد نام واستكان وحان قِطاف قلبه وتمزيق أوصاله ، فهبَّ هذا العملاق مُحطماً كل القيود التي ظنها الواهمون لن تتحطم إلا بعد مئات السنين.
خرج المصريون في الأغلب الكاسح من محافظات مصر ، بل وخرجوا في محافظات لم ترَ ثورةً قط في تاريخها الحديث ، تصحيحاً لمسارٍ أصابه العِوَج ، مسارٍ لم يرضَ المصريون به لدينهم أو لوطنهم ، فسارعوا ينقذون بلادهم من مصير مُظلم عاشوا جميعاً بداياته ، فحقَّ عليهم ان يرفضوا استكماله طائعين صامتين.
جاءت ثورة الثلاثين من يونيو تصحيحاً لما آل إليه الحال بعد انتفاضةٍ شعبية في الخامس والعشرين من يناير مَثَّلَتْ إحدى ثورات الشعب المصري ، حيث أراد لها من استغلوها أن تكون مِفتاحاً لتنفيذ مُخططاتهم ضد الدين والوطن ، وأرادوها خطوةً في سبيل استكمال مُخططهم الأكبر ، الذي وضعوه بليل لكل المنطقة العربية ، فتحطمت أحلامهم على الصخرة المصرية الصلدة ، كما تحطمت أحلام من قبلهم .
ومن الطريف أن أول ثورة شعبية كبيرة ضد الحكام في تاريخ مصر ( وربما تكون في التاريخ كله ) ، وقعت أحداثها منذ ما يقرب من 4300 عام ( 2270 ق.م تقريباً ) في أواخر عهد الأسرة السادسة ، والتي لم تسلَم منها قصور الحكم أو الدوواين أو قصور الأغنياء ، أو حتى مقابر أولئك الأغنياء التي تم نبشها للحصول على النفائس التي عسى أن تكون فقد دُفنت معهم فيها ، وكما ورد عن هذه الثورة في كتاب ( مصر الفرعونية ) للآثاري الكيير د / أحمد فخري ، فقد احتلت الخادمات أماكن مخدوماتهن ، ولبس الفقراء أفخر أنواع الكتان ، وسادت الفوضى ، وتلونت مياه النيل بلون الدماء ، وافتقد الناس الأمان ، والأطرف من ذلك هو أنه في خضم تلك الحالة ، فقد استغل البدو جيران مصر – لا سيما من الناحية الشرقية – حالة السيولة وانعدام الأمن وعدم أداء مرفق الشرطة لمهامه ، فاخترقوا الحدود ونهبوا الممتلكات وعاثوا في أراضي الدلتا فساداً وسرقةً …. ألا تذكركم هذه الأحداث بما حدث من بعد الخامس والعشرين من يناير ، يبدو أن أعدائنا وجيراننا دائماً ما ينتظرون فرصة الفتن والثورات الدموية ، لكي يخترقوا حدودنا من دون رادع ، لينهبوا خير هذه الأرض الطيبة ، وليعيثوا بين جنباتها الطيبةَ فساداً ، وهذا هو سر عظمة الثلاثين من يونيو ، ثورة شعبيةٌ كاسحةٌ ، التحم فيها الشعب بشرطته وجيشه ، وفوتوا على الأعداء فرصة ممارسة إجرامهم ، ووجب علينا ألا نعيد إعطاهم تلك الفرص تحت أي ظروف بأي ذرائعَ كانت.
كل ثلاثين من يونيو ومصر بخير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك قم بتعطيل مانع الاعلانات