المشروعات القومية – مابين ذرات الملح وحفنات التراب
المشروعات القومية – مابين ذرات الملح وحفنات التراب
بقلم / جمال حمدان
المُحاضر القانوني والإداري والخبير الدستوري
مَرَّت مصر ومرَّ على مواطنيها على مدار العِقد السابق مراحل وأنواعٌ مُتعددة ٌمن الإرهاب ، من إرهاب يستهدف الأرواح والأموال ، بل ويستهدف اقتطاع جزء من أرض الوطن ، إلى ما يُمكن أن نُطلق عليه الإرهاب الاقتصادي ، والذي سعى وما يزال إلى إسقاط الدولة اقتصادياً ، من خلال التضييق والحصار الخارجي من جانب ، وأفعال البعض من الداخل من جانب آخر ، إما عن وعي وإدراك أو عن جهل وجشع ، مع عدم إغفال بعض الأخطاء التي ساهمت – أو ما تزال تساهم – في زيادة وطأة التداعيات الاقتصادية لتلك الأفعال ، ورغم نجاح الدولة في امتصاص واحتواء ومن ثم التغلب على أنواع الإرهاب ، إلا أنه لم يعد هناك أي شك في وجود هدف استراتيجي لدى مُحركيه ، وهو تأليب الشعب على الدولة ، أوافتعال كل ما يؤدي إلى جمعة – أو ( جُمعات ) – غضب جديدة تؤدي في النهاية إلى تحقيق هدف سقوط دولة كبيرة الحجم عظيمة الحضارة مثل مصر.
ورغم هذه الأزمات وفي خضم تلك التحديات ، فقد نجحت مصر على مدار السنوات الماضية ، في تنفيذ وإقامة العديد من المشروعات القومية التنموية الكبرى ، ليس في مجال واحد فقط ، بل في العديد من مجالات التنمية المُستدامة على التوازي ، إيماناً من الدولة بأهمية القيام بتنفيذ تلك المشروعات ، وبأولويتها جميعاً في الوقت ذاته ، حيث لا فضل لبعضها على البعض الآخر في تلك المرحلة الحساسة.
فانطلقت الدولة في مجالات التنمية الزراعية والصناعية ، وتنمية مصادر الطاقة المختلفة ، وفي مشروعات الطرق القومية باعتبارها هي شرايين الحياة لأي مجتمع ولأي تنمية تُرجى له ، فضلاً عن التنمية الثقافية والرياضية والعمرانية.
ولكن كان وما زال ملحوظاً ، أنه أحياناً قد تتأثر الصورة الذهنية العظيمة للمشروعات القومية ، التي يتم تكوينها ورسوخها في وعي المواطنين ، بغياب بعض الأمور التي قد يعدُّها البعض من الكماليات الغير ضرورية ، إلا أنها وفي ظروف معينة قد تذهب بما لبعض المشروعات من بهجة أو أثر عظيم في النفوس ، بل وقد يستغل البعض ذلك من كارهي الوطن ، أو من أعدائه في الخارج والداخل ، في إطار حملات التشويه الممنهجة ، أو في إطار تكتيكات النقد الهدّام ، سعياً منهم إلى تحقيق هدفهم الاستراتيجي المنشود ، وهو حلم إسقاط الدولة .
فقد لا يتخيل أحد وعلى سبيل المثال ، أنَّ غياب تنفيذ كباري المُشاة العلوية فوق المحاور الجديدة ، أو أنفاق العبور تحت تلك المحاور ، ولا سيما في المناطق الشعبية التي تمر بها ، مثل المطرية وعين شمس ، وهي أحياء تكتظ بالسكان من الطبقة المتوسطة وما دونها ، وقد تمثل أرضاً خصبةً وملعباً تاريخياً لمُفتعلي الفتن ولمُهندسي الثورات المُلونة ، بل وتلاحظ ذلك الغياب أيضاً في محاور تمر ببعض التجمعات الراقية ، بما قد يترتب على غياب تلك الكباري والأنفاق من حوادث مُفجعة – وهو ما حدث وما زال يحدث بالفعل – تودي بحياة البعض ، أو ينتج عنها إصابات بالغة قد تنتهي بعاهات مُستديمة ، وذلك نظراً لعدم الأخذ بعين الاعتبار حركة الأفراد من خلال تلك المحاور السريعة الهامة ، وكذلك لعدم الحزم في التأكيد على الالتزام بقواعد المرور وعدم السير العكسي على تلك المحاور .
فقد لا يتخيل البعض أن مثل تلك الحوادث قد يتم التركيز عليها من قبل أعداء الدولة وغيرهم ، للتقليل من أهداف المشروعات القومية للطرق وتشويهها تارةً ، ولاتخاذ ذلك سبيلاً ومدخلاً لتشويه كافة المشروعات القومية تارةً أخرى ، وضرب مصداقية الدولة من حناحية الاهتمام بالمواطن بالدرجة الأولى ، وهي أمور ما أسهل أن نتفاداها ببعض ( الإجراءات الكمالية ) التي يشوه غيابها الصورة العظيمة.
ونحن إذ نورد هذا المثال ، فإننا نورده كمثال على إغفال ما يمكن أن نصفه بذرة ملح تضبط إيقاع الطعام ، أو بإغفال ما يُعطي الذريعة لكارهي الأوطان وخاربي الديار العامرة لإهالة التراب على عظيم الإنجازات ، بسبب ما قد يراه البعض من فضل التنفيذ أو نافلة الأفعال ، وهو في الواقع ليس كذلك على الإطلاق ، فهل تستجيب لنا الدولة ، حتى لا نعطي كارهي الأوطان ومُشعلي الفتن أي ذرائع ، وحتى لا يبقى على اللسان إلا آخر الطَّعم المُرِّ غير المرغوب.
وإلى لقاء في مقال آخر إن شاء الله.