أسواق

الاقتصاد العالمي يبدأ معركة جديدة مع الجنرال كورونا

تترقب أنظار العالم هذا الأسبوع ما ستعلنه الشركات المطورة للقاحات كوفيد-19 حول طرحها قريباً في الأسواق. ومن المتوقع أن تبدأ المملكة المتحدة توزيع اللقاح الذي تنتجه شركتا “فايزر” و”بيونتيك” المضاد للفيروس بحلول السابع من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

في الوقت نفسه، بدأت شركة طيران “يونايتد إيرلاينز” في تسيير رحلات طيران خاصة لنقل شحنات من لقاح شركة “فايزر”، ويأتي هذا ضمن استعدادات الشركة الأميركية للتحرك سريعاً إذا ما حصلت على موافقة هيئة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة وموافقة الجهات الرقابية حول العالم على توزيع اللقاح الجديد.

وبخلاف التحديات والمخاطر التي خلفها فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي، لكن يبدو أن توصيل اللقاح أصبح هو التحدي الأكبر، لا سيما في ظل ما يتطلبه من احتياطات وإجراءات تحاول شركات الطيران العالمي الالتزام بها.

150 مليون شخص يواجهون الفقر

في دراسة حديثة للبنك الدولي، يقول الدكتور محمد علي بات، مدير قطاع الممارسات العالمية للصحة والتغذية والسكان بالبنك الدولي، إن الاجتماعات الأخيرة للبنك الدولي انصبت بقوة على مناقشة جائحة فيروس كورونا ومدى تأثيرها في حياة الناس والاقتصادات في جميع أنحاء العالم. وخلال اجتماع المائدة المستديرة للصحة العالمية، ناقشنا كيف يمكن للعالم الاستثمار في لقاحات كورونا، وأيضاً تدعيم الأنظمة الصحية التي تقدم خدمات الرعاية الأولية.

ومع تزايد عدد الإصابات مرة أخرى على مستوى العالم، فإن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن هذه الجائحة ستدفع حوالى 150 مليون شخص للسقوط في براثن الفقر المدقع بحلول نهاية عام 2021.

وفي ظل هذه الخلفية والتطورات العاجلة، ضم اجتماع المائدة المستديرة أكثر من 24 وزيراً من حكومات بلدان نامية، إضافة إلى رؤساء وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بالصحة. واتفق المشاركون على أن الأولوية القصوى العاجلة للعالم هي تسريع وتيرة تطوير اللقاحات التي يمكنها السيطرة على تفشي فيروس كورونا وتوزيعها. ويتعين علينا ضمان إتاحة هذه اللقاحات على نحو عادل لجميع البلدان، لا سيما البلدان الأكثر فقراً، التي لديها موارد محدودة لشراء تلك اللقاحات وتوزيعها.

وأشار مدير قطاع الممارسات العالمية للصحة والتغذية والسكان بالبنك الدولي، إلى حرص البنك على مساعدة البلدان الأكثر فقراً على مكافحة كورونا وبناء القدرة على الصمود، إذ يستحق البشر أينما كانوا التمتع بخدمات الحماية الصحية، وفي حالة حدوث جائحة، فما من أحد سيتمتع بحماية كاملة ما لم تتح الحماية لنا جميعاً، واتفق كل من شاركوا في اجتماع المائدة المستديرة الافتراضية على هذه النقاط، بل وأدركنا أيضاً أن ضمان التوزيع العادل والمنصف على البلدان والشعوب ذوي الموارد المحدودة يمثل تحدياً هائلاً.

حزمة مساعدات ضخمة بـ 12 مليار دولار

وأشارت الدراسة إلى أن جهود البنك الدولي أسفرت عن تقديم حزمة تمويل بمبلغ 12 مليار دولار، وهي أكبر حزمة تمويل في مجال الصحة في تاريخ البنك، لمساعدة البلدان على شراء لقاحات كورونا وأدوات الاختبارات والعلاجات ذات الصلة، إضافة إلى ذلك، لدى البنك عمليات طوارئ لمكافحة كورونا قيد التنفيذ في أكثر من 100 بلد.

ومن خلال البنك، ومؤسسة التمويل الدولية، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار، تتوقع مجموعة البنك إتاحة 160 مليار دولار بحلول منتصف عام 2021 لمساعدة البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل على التخفيف من حدة الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن هذه الجائحة.

وإضافة إلى الاستجابة العاجلة لجائحة كورونا، شدد البنك الدولي على ضرورة تقديم المساعدة للبلدان في بناء قدراتها على الصمود في وجه التحديات، أضاف، “على سبيل المثال، يمكن أن يساعد صندوقنا الجديد للتأهب والاستجابة للطوارئ الصحية البلدان النامية في اتخاذ استعدادات أفضل لمواجهة حالات تفشي المرض، بما في ذلك عندما لا تتمكن من الحصول على تمويلنا المنتظم. وقدم الصندوق أول مخصص مالي للسودان، ونعرب عن امتناننا لشريكينا المانحيَن وهما: اليابان، لدورها القيادي في إنشاء الصندوق، والمملكة المتحدة لما تقدمه حالياً من مساعدة فنية”.

التكنولوجيا الرقمية وأنظمة المعلومات الجديدة

وقالت الدراسة إن إيصال اللقاحات على نحو سريع وعادل سيتطلب تعاوناً هائلاً. إذ ألقى المتحدثون في اجتماع المائدة المستديرة الضوء على الحاجة إلى توافر بنية تحتية قوية لسلاسل الإمداد، مثل أنظمة النقل، والجوانب اللوجستية، وأجهزة التجميد الفائق، من أجل إيصال اللقاحات والعلاجات، بما في ذلك عن طريق استخدام أنواع التكنولوجيا الرقمية وأنظمة المعلومات الجديدة، وستضطلع صناعة الطيران بدور بالغ الأهمية في عمليات التوزيع، وهذا ما عبّر عنه أحد المتحدثين بقوله، “اللقاحات لن تصل وجهاتها من تلقاء نفسها”.

ومنذ وقت طويل، أصبح تدعيم أنظمة الرعاية الصحية الأولية في صميم عمل البنك الدولي في البلدان النامية، إضافة إلى ذلك، ستكون الأنظمة القادرة على الصمود مهمة من أجل توزيع اللقاحات، وأيضاً لضمان استمرار الخدمات الحيوية الأخرى في أثناء الجائحة، لا سيما خدمات صحة الأمهات والأطفال، وتوضح التقديرات الأولى أن معدلات وفيات الأطفال قد تزيد بنسبة 45 في المئة مع تراجع الخدمات الصحية وقلة الحصول على الطعام.

واتفق الوزراء المشاركون على أن تكون الأولوية في جهود التصدي لفيروس كورونا للعاملين في المجالين الصحي والمجتمعي والأشخاص الآخرين الأكثر عرضة للخطر، وأنه من الأهمية بمكان ضمان أن تكون أسعار اللقاحات في متناول اليد، وذلك عن طريق التعامل مع طرق دفع التكاليف والتصدي لأي معوقات تحول دون الحصول عليها.

كما تحدثوا بالتفصيل عن التحدي المتمثل في تعبئة ما يكفي من التمويل المحلي سواء للتعامل مع التكلفة الهائلة لمكافحة تلك الجائحة، أو تقوية أنظمتهم الصحية بغية التصدي لأي حالات تفشي في المستقبل، ويعمل البنك الدولي، عبر المؤسسة الدولية للتنمية، على توفير الاستثمارات المهمة في البلدان الأكثر فقراً، إضافة إلى تقديم المساعدة الفنية، وإجراء عمليات مراجعة للإنفاق العام من أجل مساعدتها على رفع مستوى كفاءة الإنفاق، إضافة إلى ذلك، سيظل التعاون بين المانحين الدوليين أمراً مهماً لضمان تقديم التمويل والدعم في الوقت المناسب.

وأوضح المشاركون أن تعاون القطاع الخاص في هذا المجال سيكون بالغ الأهمية لتصنيع اللقاحات وإيصالها في البلدان النامية، من جانبها، أعلنت مؤسسة التمويل الدولية، وهي ذراع مجموعة البنك الدولي للتعامل مع القطاع الخاص، إطلاق منصة عالمية للخدمات الصحية بمخصصات قدرها أربعة مليارات دولار للمساعدة في زيادة إنتاج لقاحات كورونا وعلاجاته في الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء، ولضمان قدرة بلدان الأسواق الصاعدة على الحصول عليها. وتعمل المؤسسة أيضاً مع شراكة إنتاج اللقاح، ممثلة في التحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة، لوضع خريطة للقدرة على تصنيع اللقاح وتحديد المعوقات التي تعترض هذه العملية.

معلومات خاطئة عن لقاحات كورونا

وسلط اجتماع المائدة المستديرة الضوء على المخاوف بشأن انتشار المعلومات الخاطئة عن لقاحات كورونا وعمليات التحصين بشكل عام، وما يحيط بهما من خرافات وشكوك. واتفق المشاركون على أن حملات التواصل الوطنية والمجتمعية ضرورية لتبديد حالة التردد المتزايد لدى الناس في استخدام اللقاحات، وتوعيتهم بشأن حماية أنفسهم وأسرهم من هذا الفيروس، ويشمل هذا الأمر الاستعانة بقادة المجتمع المحلي والقيادات الدينية كقنوات جديرة بالثقة لإيصال المعلومات الصحيحة.

وذكرت أن الشراكات القوية والتعاون الوثيق، داخل البلدان وعبر المناطق، هما في صميم العمل الفعال لمكافحة هذه الجائحة، وفي هذا السياق، تتعاون مجموعة البنك الدولي على نطاق واسع مع تحالف متنوع من الشركاء الدوليين، بما فيهم الجهات المانحة الثنائية، وبنوك التنمية متعددة الأطراف، ووكالات الأمم المتحدة المعنية، ومؤسسات العمل الخيري، والمنظمات العاملة في مجال الصحة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني.

وأوضحت أن الطريق إلى تحقيق تعافٍ قادر على الصمود سوف يستلزم استثمارات ضخمة في البلدان المعنية، إضافة إلى التزام مستمر ودعم مالي من المجتمع الدولي، أما عملية إعادة البناء على نحو أفضل فسوف تتطلب أجندات إصلاح جريئة، مع سياسات تتيح حيزاً مالياً، وتكفل تنفيذ استثمارات أكثر وأفضل في مجالي الصحة والتأهب لمواجهة الجوائح.

ونظراً إلى هذه الصدمة غير المسبوقة التي تعرض لها رأس المال البشري في البلدان المعنية، فإنه يجب على المجتمع الدولي أن يحافظ على استمرار الأطفال في التعلم، وتحسين فرص الحصول على الخدمات الرقمية، وتسريع وتيرة إيجاد فرص عمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك قم بتعطيل مانع الاعلانات